مجزرة قرية قنه.. شاهدان يرويان تفاصيل نجاتهما من مجزرة جماعية في شنكال
وقعت في قرية قنه جنوب شرق شنكال إحدى المجازر الكبيرة لفرمان 2014 يسرد حيثياتها الناجيان فواز سفيل عمو وإيزدين أمين حسين اللذين نجيا بنفسيهما من آلاف الرصاصات ومن تحت جثامين عشرات الأشخاص في المقبرة الجماعية التي جرى فتحها في 28 حزيران المنصرم، فيما لا تزال القرية تضم ست مقابر جماعية أخرى.
إيزدين شنكالي
مضت ثمانية أعوامٍ على فرمان الـ 3 من آب عام 2014 الذي وقع في شنكال. ويعدّ أطول فرمانٍ تعرّض له الشعب الإيزيدي في تاريخه. ولم يُحاسب أحدٌ على هذا الفرمان رغم مرور ثمانية أعوام عليه. ثمانيةُ أعوام مضت دون أن يُعرف بعد مصير آلاف النساء والأطفال الإيزيديين. ثمانية أعوام مضت وآلاف العوائل تنتظر فتح المقابر الجماعية التي تحتضن عظام آلاف الشهداء الذين ارتقوا أثناء الفرمان.
لقد تم تحديد 87 مقبرة جماعية حتّى الآن فيما لم يُفتح منها بعد سوى 34 مقبرة. فمع اقتراب الذكرى السنوية للمجزرة تقوم الحكومة العراقية كل عام بفتح بعض المقابر الجماعية، كما تقوم بإعداد وتنظيم المراسم لشهداء الفرمان من أجل إخفاء عارها ومسؤوليتها أو لتطهير نفسها من خطايا الفرمان.
بدأ مؤخراً في الـ 28 من حزيران المنصرم حفر ست مقابر جماعية في قرية قنه الواقعة جنوب شرق شنكال. بحضور المئات من أقارب شهداء الفرمان الذين قاموا بنصب الخيام في انتظار انتشال عظام أقاربهم وأحبّائهم. ومن بين هؤلاء شخصان نجوا من تلك المقابر الجماعية ونجيا من قبضة الموت وحفرا لحظات المجزرة على قلبيهما لئلّا تُنسى.
فواز سفيل عمو من قرية تل قصب الواقعة على بعد 10كم من قرية قنه هو أحد هذين الشخصين. فعندما بدأ مرتزقة داعش بشنّ الهجمات؛ لجأ أهالي قرى تل قصب، تل بنات، كوجو وصولاخ إلى قرية قنه. لقد لجأ مئات الأشخاص إلى هذه المنطقة نتيجة وفرة المياه، إلّا أن مرتزقة داعش تبعوهم وحاصروهم في قرية قنه، وبهذا بدأت قصة مجزرة قنه.
‘طوّقتنا حولي 10-12 سيارة لداعش‘
عندما تحدّث فواز عن يوم المجزرة ذكر تفاصيلها لحظةً بلحظة، وأشار إلى أنّهم خرجوا من قريتهم وتوجّهوا إلى قرية قنه مع فرار الجيش العراقي وبيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني من شنكال وقراها في الـ 3 من آب عام 2014.
وتطرق إلى مواجهتهم لمرتزقة داعش، بالقول: “في الساعة 13:00 بعد الظهر توجّهت إلينا سيارة لداعش. قالوا لنا ’ لا خطر عليكم، لا داعي للخوف لقد أتينا بسبب الجيش والبيشمركة، أمّا أنتم فاذهبوا إلى منازلكم‘. بعد ذلك تبعهم حوالي 10-12 سيارةً من سياراتهم. وقد كانوا 35 مسلحاً تقريباً”.
ذكر فواز أنّ اسم متزعم مجموعة داعش تلك كان أبو نورا وهو من تلعفر، وتابع قائلاً: “لقد سألونا إنّ كنا إيزيديين أم لا. فأجبناهم بأنّ هناك عائلتين فقط ليستا من الإيزيديين. فقالوا لهاتين العائلتين ’ اركبوا سياراتكم وغادروا‘، بينما قالوا لنا ’ اذهبوا وتجمّعوا تحت تلك الشجرة‘ تجّمعنا تحت الشجرة فيما كانت النساء في مكان مختلف”.
سجّلوا المجزرة
بعد قيامهم بجمع جميع الرجال الإيزيديين قاموا بصفّهم في ثلاثة صفوف وقد كان عددهم 80 رجلاً تقريباً. اقتاد مرتزقة داعش الرجال الثمانين إلى موقع المجزرة، وبعد اتصال هاتفي، قام متزعم داعش أبو نورا بالتكبير والبدء برميهم بالرصاص. وفي هذه الأثناء كان ثلاثة من المرتزقة يقومون بتصوير وتسجيل عملية إطلاق الرصاص هذه، فيما كان حوالي 25 مرتزقاً يطلقون الرصاص.
استذكر فواز عمو لحظات إطلاق الرصاص، قائلاً: “عندما بدأوا بإطلاق الرصاص رميت نفسي في الحفرة وسقطت الجثث علي. فقد كان المتعرضون لإطلاق الرصاص يسقطون فوق بعضهم البعض. وأنا بقيت تحتهم ودماؤهم تسيل علي. لقد اعتقد داعش أنّي ميت أيضاً. وبعد إطلاق الرصاص قاموا بفحص الجثث وقتل المصابين الذين لم يموتوا بعد. أمّا من كان سليماً فكانوا يقولون لأبو نورا ’هذا حيّ يا أبو نورا تعال واقتله‘. بهذه الطريقة قتلوا الباقين على قيد الحياة”.
‘لقد نجوت أنا وصديق لي من المقبرة الجماعية‘
بعد أن تأكّد مرتزقة داعش من عدم بقاء أحدٍ على قيد الحياة غادروا المنطقة وأخذوا معهم الفتيات والنساء الإيزيديات. وروى فواز عمو قصة نجاته من المقبرة الجماعية، بقوله: “غادروا بعد قتلهم للجميع. لقد خرجت من المقبرة الجماعية ونظرت حولي، ووجدت 37 شخصاً من عائلتي بينهم أبي وشقيقي. وكان 3-4 من أصدقائي مصابين ولا يزالون يتحدثون. وكان اثنان منهم في حالة حرجة لذا ماتوا داخل المقبرة الجماعية. وأحد هؤلاء الجرحى كان إيزدين أمين حسين وقد كان غارقاً بالدماء، لقد أخرجته من المقبرة بشقّ النفس وبدأنا بالسير لتسع ليالٍ تقريباً حتّى وصلنا لمزار آمادين”.
بحسب المعلومات التي قدّمها فواز فقد نجا من تلك المقبرة الجماعية تسع أشخاصٍ فقط. وهناك 69 اسماً مسجّلاً للشهداء الذين استشهدوا في تلك المقبرة الجماعية. ولكن يُقال أنّ هناك حوالي مئة شخصٍ على الأقل قد قتلوا بأمرٍ من أمير مرتزقة داعش في تلك المجزرة، بينهم ثلاثة أو أربعة أطفال.
‘كان يتم قتل كل طفل يستطيع حمل السلاح‘
كما روى إيزدين أمين حسين صديق فواز اللذين نجيا معاً من المجزرة الجماعية قصة المجزرة ذاتها. إيزدين حسين سلّط أثناء حديثه عن قتل الأطفال الإيزيديين الضوء على وحشية داعش وقال: “عندما جاء مرتزقة داعش لم يميّزوا بين أحد، جمعونا جميعاً وفصلوا بين النساء والرجال. لقد كانوا ينظرون إلى الأطفال ويقتلون من يستطيع حمل السلاح مع الرجال”.
عن سبب تجمّع مئات الإيزيديين في قرية قنه، قال إيزدين حسين: “كانت الجبال قريبة، لو ذهبنا لنجونا، لكن هذه المنطقة كانت وفيرة المياه فلو غادرناها لمتنا من العطش”.
لقد علق إيزدين أمين الذي بقي بين الجثث أثناء عملية إطلاق الرصاص عليهم، على قصّة نجاته قائلاً: “لقد أصابت الطلقة جبهتي، وكان رأسي تحت رأس شخصٍ آخر. أصعب ما في الأمر أنّنا خرجنا من تحت الجثث كان الجميع قتلى، ونتيجة انعدام المياه فقد كنت أشرب الدم السائل من جبهتي حتّى نجوت”.
لا يُستجاب لمطالبهم
بعد أن انتهى فواز وإيزدين من سرد قصة المجزرة، قمنا بسؤالهما عن رسالتهما ومطالبهما، وفي هذا السياق قال لنا فواز عمو: “مطالبنا ليست صعبة، ولكن هذا في حال وُجدت حكومة تتبناها. نحن نتمنى أن يتم فتح جميع المقابر الجماعية. وأن نخرج العظام قبل كل شيء. لقد أتينا من مخيمات باشور كردستان ونصبنا خيامنا فوق المجازر الجماعية ونعيش فوق المجازر الجماعية”.
من جانبه قال إيزدين حسين إنّه لم يعد يثق بالكلمات والرسائل، واختتم حديثه قائلاً: “لا نعلم ما الرسالة التي علينا توجيهها، فنحن نوجّه الرسائل منذ ثماني سنوات ولكن لا فائدة من ذلك. ويشبه الأمر الآن فتح الجرح من جديد، فكيف يكون الوضع إن قمت بفتح الجرح من جديد؟ ليست لدينا أي حقوق”.