الحرية أثمن من الوجود بذاته
غزال علي من قرية صولاخ تروي لنا حكاية أسرها بالكامل بالرغم من مدى صعوبة الماضي التي عاشتها وهكذا كانت بداية القصة: في عام 2014 أنا وعائلتي وقعنا في الأسر بين أيدي داعش، في البداية حاولت كثيرا مع زوجي لنخرج من القرية لكنه كان يسخر مني والأسوء من هذا أني كنت خائفة لدرجة ليس من الممكن وصفها.
سقوط الموصل
مع سقوط الموصل في عام 2014 بدأ داعش بالتوسع في المنطقة وعلى وجه الخصوص في سهل نينوى. علمنا من الإعلام والأخبار بأنه سوف يأتي دورنا نحن أيضا. في ليلة ظلماء لم يكن يوجد هناك أي حراك في المنطقة فقط كانت تتعالى أصوات الله أكبر ويقترب من صوبنا. وقتها عشنا الخوف، الرعب والذعر من أعماق قلبنا. حينها لم نعد نتذكر أي شيء وعقلنا توقف عن العمل فأمسكت بأيدي أطفالي الأربعة وبدأنا بالخروج من المنزل بسرعة. طفلاي الكبيران كان بإمكانهما المشي قليلا لكن طفلاي الأخران الصغيران لم يكن بإمكانهما المشي لأنهم كانوا مازالوا صغارا. زوجي احتضن واحد من الأطفال الصغار وأنا أيضا احتضنت طفلي الأخر وهرعنا بالخروج من المنزل دون أن نلتف من ورائنا. في حين اقترابنا من الجبل منفذ النجاة التي سميناه عائلة زوجي اتصلوا بنا وقالوا بأنه المكان الذين يعيشون فيها أمن وتستطيعون العودة إلى منزلنا.
العودة إلى حضن العائلة
العودة من جديد إلى حضن العائلة والقرية والتراب الذي كبرنا عليه شعور لا يوصف، هذا لم يكن يعني لي بأنني نزعت الخوف والذعر من داخلي. كنت وقتها أعيش الفرحة والحزن معا من جهة أعود إلى أحضان العائلة ومن جهة أخرى أسمع صرخات تنادي الله أكبر. من وصولنا إلى العائلة داعش أيضا اقترب من القرية الذي كنا جميعنا فيها، عندما تبين لنا غبار يترافع من بعيد عرفنا بأنه لم يكن لدي الوقت الكافي للهرب أو حتى التخلص من المأزق الذي وقعنا فيها. فجأة لم نرى سوى دواعش متوحشة وقذرة أمام أعيننا، وقتها كبار العائلة قالوا لنا ارفعوا الراية البيضاء وهذا المخرج الوحيد لنا هنا. بالفعل قمنا برفع الراية البيضاء على الرغم من أننا كنا نعلم ما معنى رفع الراية البيضاء، لكن مرتزقة داعش لا يعرف أي شيء من هذا القبيل. من بعد رفع الراية لم أعد أعلم ما الذي كان يحدث من حولي.
لا يمكن للمرء أن ينسى ذاك اليوم الأسود
كانت فترة الظهيرة وكان عددنا كبير أيضا لكن مع الأسف لم نكن نملك الأسلحة للدفاع عن أنفسنا وأطفالنا. بعد دخول الداعش القرية وقاموا بحصارنا صرنا نتلفت يمينا ويسارا كي نعلم ما الذي يحدث وما هو المصير الذي ينتظرنا في الغيب. بالطبع لم يكن مصيرنا مختلف عن مصير باقي الإيزيديين المتواجدين في سنجار وقراها، في البداية قاموا بربط أعين الرجال وأبعدوهم منا قليلا ومصيرنا نحن النسوة بالطبع كنا سبية وغنيمة تلك الخيانة القذرة التي لا يمكننا نسيانه. الرجال الذين كانوا يقاومونهم بالتأكيد كان مصيرهم الموت الصارم لكن لا أعلم وقتها لم يقوموا بقتلهم على الفور أمام أعيننا في تلك المكان الذي كنا متواجدين فيها. بعد فترة من الزمن القصير أخذوا الرجال الذين كانوا يقاومون مرتزقة داعش بعيد عنا حينها لم نراهم لكن بدأ يتعالى أصوات الطلقات والرصاص القاتل، بنفس الوقت لم نعد نتمالك أنفسنا وبدأنا بالصراخ خوفا من الداعش وحزنا على رجالنا الذين أصبحوا ضحية هذه الخيانة والغدر. بدأت الأمهات تنهرن واحدة تلوة الأخرى نسبة لحرقة قلوبهم على أولادهم ورجالهم. في الحقيقة كنا نشعر بأننا في كابوس عميق ولا نستطيع الاستيقاظ منه. كان يوم سيء جدا لا يمكن للمرء أن ينسى ذاك اليوم الأسود.
لم نكن نتخذ التدابير اللازمة
على الرغم من معرفة كبارنا بهذه الإبادة التي سوف نتلقاها ذات يوم لم نكن نتخذ التدابير اللازمة كمجتمع. أجدادنا دائما كانوا يقولون لنا بأنه ذات يوم سوف نتعرض أيضا للإبادة الجماعية كما تعرضنا لها منذ سنين مرت علينا. لكن مع الأسف لم يكن لدينا المعرفة التامة كي نقوم بأخذ التدابير اللازمة مقابل أي هجمات سوف نتعرض لها في المستقبل. بالإضافة إلى كل هذا كنا واثقين كل الثقة بالبيشمركة والجيش العراقي، لم نكن نعلم حتى بأنه ينتظرنا الخيانة الكبرى والفاضحة. لو كنا على علم ومعرفة بفكر القائد أوجلان كنا استطعنا من اتخاذ التدابير اللازمة أمام هذه الهجمات. حتى أننا لم نكن نتعرض لهذه الخيانة الكبرى. عار على تلك القوات التي كنا نثق بها قامت بخيانة شعبها التي كانت تحترمها وتقدر وجودهم على أراضيهم.
بداية درب مجهول المصير
كانت تلك الأيام الأسوء في تاريخ حياتي التي وقعت فيها أسيرة في يد داعش. بعدما تم السيطرة علينا أخذونا إلى تلعفر وهي منطقة قريبة من سنجار وقتها كان داعش قد استولى عليها أيضا. هناك وضعونا في مدرسة طبعا كان عددنا كبيرا جدا، كنا نحن الإيزيديين فقط في تلك المدرسة، لكن في سوريا كان يوجد هناك الأسرى الشيعيين أيضا. ماذا تنتظرون بأن يكون حال الأسرى في يد العدو أمثال داعش؟ كانت هناك فتيات صغيرات بالعمر جميلات جدا لكن في تلك الحال لم يبقى الجمال والعذرية لدى أي امرأة أو فتاة أسيرة بين أيديهم. في كل يوم كنا نعيش الخوف والذعر بداخلنا، لكن مهما حاولنا أن نظهر أنفسنا أقوياء أمام هذا العدو لم نجدي نفعا لأنه ماكان باليد حيلة. هذا ما كان يجعلهم يتجرؤوا ويأخذون الفتاة الأكثر جمالا من بيننا لتطمين شهواتهم الرجولية.
من مدرسة تعليمية إلى سجن الجلادين
لم يكتفوا بالأفعال القبيحة التي كانوا يفعلونها معنا في تلعفر قاموا بنقلنا من هناك إلى سجن يسمى سجن بادوش. لم نكن وحدنا في تلك السجن كان هناك الكثيرين من أهالي كوجو، بالإضافة إلى أنه في كل يوم كانوا يجلبون الإيزيديين من كوجو وسنجار وكافة المناطق المتواجدة في سنجار. كما قلت سابقا لم يكن يمر يوما علينا دون ضرب، إهانة وتعذيب. بالطبع مكان الذي كنا فيه كان مكان التعذيب في القديم وملائما جدا للتعذيب. بسبب صغر عمر أطفالي كنت معهم ولم نفترق عن بعض أبدا. بعد فترة وجيزة من بقائنا في قاموا بأخذنا إلى حي الخضرة وبقينا هناك أيضا لمدة شهرين تقريبا، هناك وزعونا على بيوت فارغة كما كانوا يفعلوا بنا في البداية قاموا من جديد بتلك الأفعال. أصبحوا يأتون في كل ليلة وينتقون الفتاة الأجمل من بيننا ويحضرونهم لأنفسهم. الكثيرات من النساء والفتيات هناك من أجل حماية نفسها من تلك الوحوش قاموا بخداع داعش على أنهن أصبحن على دينهن، لكن في الحقيقة لم يكن كذلك. من بعد ما قاموا بتعذيبنا كفاية في مناطق العراق أخذونا إلى سورية محافظة الرقة التي كانت تعتبر عاصمة الدولة الإسلامية في تلك الفترات. قاموا بتوزيعنا على منازل وعوائل داعشية كخدمة وجاريات وسبية لهم حتى أنهم كانوا يبيعوننا كعبيد في السوق، كما كان حال النساء في العصر الجاهلية. هناك أخذوني مع عدة من رفيقاتي إلى الميادين وأهدونا لشيخ من السعودية، هو أيضا كان تاجرا من تجار العبيد والجاريات. لعشرات المرات تعرضنا للاغتصاب بين أيدي داعش هناك أيضا تعرضت للاغتصاب مع الأسف. لم يكتفوا بكل هذا كانوا يقومون بإجبار أطفالنا الصغار على تعليم الأسلحة، لكن لحسن الحظ ابني الكبير كان واعيا قليلا ولم يقع تحت سيطرتهم بالكامل.
ظلام ومن ثم نور
بعد كل التعذيب التي تعرضنا إليه فتح الله مجال أمامنا كي نستغل أصغر فرصة نتلقاها. أخذونا إلى الدير الزور هناك أيضا لم يكن يختلف عن المواقع الأخرى التي كنا فيها. لكن هناك كان الحظ يراقبنا واشتد الحرب بين داعش وبين الرفاق عندها قاموا بالتخلص منا ووزعونا على قرى أخرى على الحدود. في تلك الفترات التقيت بامرأة كانت من قرية كوجو وهي كانت تملك هاتفا من خلال تلك الهاتف أرسلت صوتي لأخي، وبهذه الطريقة استطعنا أن نوصل صوتنا للخارج. بالطبع من بعد ما هربتني هي أيضا قامت بالهروب من بين أيديهم.
قوالب دينية وتقاليد قاتلة
في تلك الفترات كانت هناك شيء محزن جدا في مجتمعنا الإيزيدي، بسبب الاغتصاب التي كنا نحن النسوة نتعرض لها من قبل الداعش لم يكن يقبلوننا بينهم وكانوا يقولون بأنهن انحرفنا عن الدين الإيزيدي، فبالنهاية كانوا يقومون بقتل الفتيات. لكن مع مرور الزمن تخطت مجتمعنا بشكل سريع جدا هذا الأمر وبدوأ باستقبال أسراهم أجمل الاستقبالات. كوني امرأة منتمية لهذا المجتمع كنت أعيش الخوف من هذا الأمر، حتى أنني لم أكن أصدق أنهم سوف يتقبلونني ويستقبلونني.
الحرية أثمن من الوجود بذاته
كان يوجد شخص هناك قام بتهريبنا من بين أيدي داعش وسلمونا لوحدات حماية الشعب، وهناك الصحفيين أجروا معنا لقاءات خاصة حول الحياة الكريهة والتعذيب التي تعرضن لها. بعد ما تخلصت من قيود الأسر أحسست برائحة الحرية والهواء الطلق في الخارج بين البشرية والإنسانية. لكن الشيء المؤلم الذي بقي من خلفنا بأنه كانت توجد الكثيرات من الفتيات الإيزيدييات اللواتي انحرفن عن دينهن ونسوا أصلهن.