كيف نحمي مجتمعنا

 

سليمان جعفر

منذ سبعينات القرن الماضي كان هناك منظومتان أو حلفان يتنافسان للسيطرة على مقدرات الشعوب وهما حلف الناتو الذي كان يضم الدول الرأسمالية والصناعية الكيرى, بالإضافة الى الدول التي تسير في ركب الرأسمالية والتي لم تكن تحبذ النظام الشيوعي, وحلف وارسو الذي كان يضم دول المنظومة الشيوعية والتي تسير في ركب الاشتراكية, حيث كان كل حلف يسعى بكل ما أوتي من قوة لضم دول جديدة اليها بغية إضعاف الحلف الآخر, وعاش الحلفان ردحاً من الزمن ضد بعضهما دون أن يهاجما بعضهما بشكل مباشر, وفي الوقت نفسه دون أن ينهيا النزاع أو القاء السلاح, مع وجود منظومة تحت اسم دول عدم الانحياز, فسميت تلك المرحلة بالحرب الباردة, ولكن كان كل حلف يعمل في الخفاء ضد الآخر , وكانت أنشطة المخابرات لكلا الحلفين لاتهدأ, وتستغل أقل هفوة أو فرصة يمكن أن تفيدهم وتضعف الخصم.

ومع نهاية العقد الثامن من القرن العشرين انتصر حلف الناتو, لأنه أدرك نقاط الضعف في حلف وارسو واستغلها لإنهاء هذا الحلف , والأنكى من ذلك بات حلف الناتو يحاول احداث تغييرات في كافة الحكومات الشيوعية, وتبعها بتشويه صورة الأحزاب الشيوعية, حتى صار الشيوعيون يغيرون أسماء أحزابهم , حيث كان مجرد ذكر كلمة الشيوعية يؤرق الانظمة الرأسمالية.

وبات الناتو يشيع بأن حلف وارسو صار في خبر كان, ليكسب العديد من الدول المترددة, وحتى تلك التي كانت تسير في فلك حلف وارسو اليها.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبالتالي انهيار المنظومة الشيوعية, واستفراد الناتو بالقرار العالمي والتحكم بالاسواق ومنابع الثروات . وارادت الولايات المتحدة زعيمة الناتو السيطرة على كل منطقة الشرق الأوسط من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد عام 1992 بهدف تقسيم  دولها وتفتيتها, ولكن السيد عبدالله أوج آلان كان له رأي آخر فأصدر في عام 1993 مشروع الأمة الديمقراطية , الأمر الذي أحرج العم سام, وغيّر سياسته في الدخول الى الشرق الأوسط بشكل مباشر, فاستغلت أمريكا تفجير برج التجارة العالمي في 2001 لتتهم بعض دول الشرق بضلوعها في ذلك التفجير, وكانت افغانستان اضعف نقطة للدخول منها الى الشرق الأوسط حيث كانت منظمة القاعدة تنشط فيها, ومن ثم احتلت العراق عام 2003 وحشدت فيه قواتها, وبدأت بتأليب مكونات العراق ضد بعضها, و اتجهت الى سوريا لتكمل الحلقة الثانية من مشروعها, والى جانبها تدخلت دول أخرى , استطاعت تحريف مسار الثورة من مسيرات واحتجاجات سلمية الى عمليات قتل على الهوية, وتحولت سوريا الى ساحة لتصفية الحسابات وكل دولة تحاول السيطرة من خلال فصائل مسلحة تتبع لها, حيث عاثت تلك الفصائل فسادا ودماراً وتشرد اكثر من نصف سكان سورية, وبدأت الدول الطامعة بخيرات سوريا تتدخل بشكل مباشر لتستحوز على النصيب الأكبر من الكعكة, وفي كل الأحوال كان ولايزال الشعوب السورية هي التي تدفع فاتورة دمار سورية.

أما فيما يتعلق بالمناطق الكردية في بداية الحراك الثوري, فقد حدث فراغ أمني وخدمي وإداري, وتدخلت حركة المجتمع الديمقراطي للتصدي لهذه الأوضاع, وشكلت قوات لحماية روج آفا من الداخل ومنع أي طرف يحاول استباحة مناطق سيطرتها, وبعد أن تم دحر داعش التفّت مكونات شمال وشرق سوريا وتكاتفت لتشكل قوات سوريا الديمقراطية التي لازالت تدافع عن المكونات المتعايشة بكل جدارة.

كما هو واضح فالقوات العسكرية والأمنية تقوم بواجبها على أكمل وجه, ولكن هذا وحده لايكفي, فأعداءنا كثر وحماية المكتسبات التي حصلنا عليها كانت بفضل نضال مرير وتقديم الآلاف من خيرة بنات وأبناء هذه المكونات حياتهم لينعم الشعب بالأمان, وهنا علينا أن نقف الى جانب قواتنا, عبر أسلوب حرب الشعب الثورية, وهو أسلوب لجأت اليه دول عديدة وحققت انتصارات على المستعمرين, ويمكن لكل انسان فعل الكثير, دون التذرع بعدم القدرة على حمل السلاح.

ويمكن لمن لايحمل السلاح أن يقدم الطعام للمقاتلين في الجبهات أو يحمي المنشآت والاملاك العامة, أو المساهمة بشكل جماعي لحفر الخنادق الدفاعية , وحراسة القرى والشوارع ليلاً, وأيضاً يمكنهم من انشاء جيل  يتمتع بروح وطنية.

أما فيما يتعلق بالمكون الإيزيدي فعليه أن يبذل قصارى جهده لحماية مجتمعه ودينه, لاسيما وأنه مهدد أكثر من غيره, فاذا كان الكردي غير مرغوب به لدى بعض دول الجوار, فالكردي الإيزيدي غير مرغوب به مرتين, الأولى كونه كردي, والثانية كونه ايزيدي.

وعلى الكردي الإيزيدي أن يتذكر كيف بقيت كافة دول العالم صامته عندما هاجم تنظيم داعش الإرهابي منطقة شنكال, وحتى بعض القوات التي كانت تدعي بأن مهمة حماية الكرد الإيزيديين تقع على عاتقهم, ولكن مع الأسف عندما هاجم داعش كانت تل القوات أول المنسحبين دون قتال,

حماية الديانة الإيزيدية تعني حماية اللغة الكردية, ولهذا عندما كان لي شرف اللقاء بالقائد عبدالله أوجلان عام 1990 قال: أنتم الكرد الأصلاء, حافظوا على ديانتكم فإذا اختفت الديانة الأيزيدية عن الوجود لن يمر وقت طويل وستختفي اللغة الكردية بحد ذاتها. وقد استرجعت شريط التاريخ الكردي وأيقنت صدق كلام القائد, فما أن يطأ محتل أومستعمر تراب كردستان أول مايقوم به على عجل هو الهجوم على الإيزيديين لإنهائهم, وعندما نقول بأن الكرد الإيزيديين تعرضوا لإثنان وسبعون حملة إبادة, فهذا العدد من الفرمانات حدث على يد السلطنة العثمانية فقط,       ولاغرابة في ذلك لأن الأتراك درسوا ويدرسون تاريخنا أكثر منا, وهم يدركون بأن الطريق للتحكم بالكرد يبدأ من إبادة الإيزيديين أولاً, فماذا نفعل لنحمي ديانتنا؟

علينا بناء جيل واعٍ من كافة النواحي, وخاصة الحفاظ على تراثنا وثقافتنا , والبدء يكون من الجيل الناشئ والشباب, ونفتتح مدارس لنلقنهم التربية الوطنية والدينية الصحيحة بعيداً عن التعصب والأنانية , ونغرس فيهم روح المحبة والتعاون والإيثار, ونعلمهم الابتعاد عن روح التواكل ليصلوا الى مرحلة يستطيعون الدفاع عن ديانتهم من كافة النواحي.

مخيمات الشهباء 6\11\2022